في مدينة صغيرة عند الجزء الجنوبي الشرقي من السودان ليس بعيدا جدا عن الحدود السودانية الاثيوبية ولد امي و ابي و هما ابنا عمومة و بحكم ما يحدث في مثل هذه الحالات الاجتماعية فقط خطب هذا الشاب اليافع ابنة عمه و يكونا من بعد اسرة رائعة اكون انا احد اركانها. لا اكتب بالطبع لاحكي لكم قصة حياتي المملة انما اود ان اشارككم احساسي تجاه هذه المدينة الفريدة
تسمي هذه المدينة الروصيرص . و يجئ هذا الاسم من الحجارة المتراصة عند ساحلها البحري الخلاب و التي تسمي ( الرصرص) ويأتي اسم المدينة تصغيرا له .و المدينة تتكون من جزئين يفصل بينهما خزان مائي كبير. يسمي الجزء الاخر من المدينة الدمازين ويعتقد ان الاسم هو تحوير لكلمتي ( ادا ) بشديد الدال و (امازين) و هو ما يترجم باحدي اللغات المحلية ب ( ارض المتعة) و صدق من اعطاها هذا الاسم فهي فعلا ارضا للمتعة .سحر هذه المدينة يغوي فيك الرغبة باكتشافها,كما الحبيبة الفاتنة التي تأثر فيك الفكر و النظر, تعيد الي روحك همسها الذي ضيعته المدينة بارهاقها و ضوضائها الدائمة,تأتي اليها مرة فتقع في غرامها فيستعصي عليك الرحيل. من اهم الاشياء التي تحسها و انت علي مشارف المدينة ان سطحها غير مستوي البتة ,تارة يطلع بك في علو جميل وينزل بك الي انخفاض رائع. احيانا تسير في الشارع ترفع رأسك لتجد ان مستوي نظرك يكشف منزلا بحاله. تري النسوة امام مواقد الطبخ و حولهن الاطفال يتلاعبون
ثمة امرأة تكنس الحوش بمكنسة نطلق عليها اسم (مقشاشة) ربما لانها تصنع من القش و بناء عليه نطلق علي فعل الكنس (قش او قشقيش) بتسكين الشين الاولي.و هذه بنت الجيران تغسل بعض الملابس في حوض غسيل او ما يعرف بالطشت و تحاول بقامتها القصيرة ان تعلق الهدوم علي حبل الغسيل.
دائما و علي مدار اليوم تجد نساء كبيرات السن يتحلقن حول الموقد او ما نسميه الكانون يقلين البن علي مهل في مقلاية تصنع من حديد خاص و متين بينما احداهن تعد من طقوس القهوة و اوانيها او ما نسميه ب ( عدة القهوة).الشرقرق الاناء الذي يغلي فيه الماء و البن الذي يضاف اليه لاحقا اطنان من البهارات مثل القرفة و القرنفل و الزنجبيل و بعد التأكد من الغليان التام للقهوة علي نار هادية تصب في اناء خاص يسمي (الجبنة) و تدار بعد ذلك فناجين القهوة و توزع علي النساء.عادة ما يعاد صنع القهوة مرة او اثنتين,المرة الاولي تسمي ( القهوة البكر) و عادة ما تكون ثقيلة جدا و لا يقوي عليها سوي هولاء العواجيز اما الدور الثاني و الذي يكون خفيفا بعض الشئ يسمي ب ( التني) بكسر التاء و هو عادة ما يقدم للفتيات الاصغر سنا.طقس القهوة هذا مستمر طوال اليوم...طوال الشهر...طوال العام...يكاد يكون حدثا في دوامه مثل الاكل او الصلاة.
عادة ما كانت تأتي زياراتي للمدينة في فصل الخريف اذ انه الفصل الذي يحصل فيه جميع افراد الاسرة علي اجازتهم السنوية.
كنت احب في تلك المدينة خريفها الماطر بغزارة. اذكر في احدي الايام انني استيقظت في الصباح الباكر علي رزاز المطر و قبل ان اتمكن من الخروج من المبني الذي نمت فيه ليلتي كان المطر بدأ في الانهمار مما تعذر معه خروجي خاصة و ان مباني تلك المدينة الفريدة في طرازها تجعل عليك من الصعب تقدير حجم المطر خارجها و لن تصدقوا ان انهمار المطر استمر لمدة ثماني ساعات متواصلة بلا انقطاع. مباني المدينة تتكون من تلك الغرف الدائرية التي تصنع من الطين و تغطي سقوفها بنوع خاص من القش و الخوص و يسميها السودانيين ( الراكوبة او القطية). اه كم كنت احب تلك القطاطي او الرواكيب بدفئها عند الشتاء القارس و برودتها الشهية عند ايام الصيف اللاذع. لا ادري ماهو السر في هذه التواؤم البيئي الغريب مع الطقس.
عند طرف البحر تقف اشجار اللبخ الكبيرة عملاقة و عتية و ليس بعيدا عنها ساحلا رملي تحده و يفصل بينه و بين البحر مساحة من حجارة ملونة جميلة جدا متراصة كأنها لوحة اعدها فنان باحساس عالي و جميل
.
كان جمع هذه الاحجار الملونة من اجل اهدائها الي اصدقائي في المدنية هو شغلي الدائم. كثيرا ما كانت تتزمر امي عندا املأ شنطة ملابسي بها و انا كنت اتجاهل تزمرها و انا افكر بالفرحة التي سأراها في عيون صديقاتي اللائي اعود محملة اليهن بهذه الاحجار و هدايا اخري من منتجات هذه المدينة الكريمة
كان دائما هم الحصول علي كميات من فاكهة المانجو الطازجة او كما نسميها( المنقة) كان دائما هدفا اساسيا و شغلي الشاغل عند اقتراب يوم العودة
اهل هذه المدينة بسطاء في علاقتهم بالروحانيات. تجد الجميع يسير في الشارع و هو معلق حول رقبته حجاب يعتقدون انه يمنع عنهم السحر و الحسد او يحمله بعضهم ليكون لهم حصنا من هجمات محتملة لثعبان او عقرب. هذا ما كنت اكرهه في تلك المدينة و يرعبني كثيرا ان اعلم ان حياتها البرية اكثر رحابة من المدينة
عندما يحين يوم العودة اتطلع الي الشوارع بشغف و حنين كأنني اود ان احتويها داخل اضلعي.اخزن منها ذكري انتشي بها و استجير بها من ضوضاء المدينة و صخبها. اه كم احب هذه المدينة و اعلم انني ربما ادفع عمري كله لاقضي فيها مرة اخري ليلة من الحنان و الحنين !!!!
16 comments:
عزيزتى جسور سودانية
:)
ايه البوست الرائع ده
بجد بشكرك انك ادتينا الفرصة اننا نتعرف على مدينة جميلة فى سوداننا الشقيقة
اللى برضه فكرتنى بالريف المصرى الجميل بجماله و بخيره
فى حاجات مشتركة كتير على فكرة بالنسبة للعادات
لكن البيئه طبعا مختلفة كتير ، الارض فى مصر معظمها مستوية والمطر مش بينزل كتير
بس بجد انا حسيت انى روحت السودان و شفت الحاجات الجميلة دى ، حتى خلتينى أشم ريحة القهوة المركزه دى
ههههههههه
:)
عزيزتي جسور
اولا بجد البوست رائع ويمكن انا عارفة انتي حبيتي تكتبي عن القهوة وتشرحي السودان ليه هههههههههه بس يالا ماعلينا خلي الطابق مستور بقى
اما بقى مدينة الروصيرص فانا عجبني بجد وصفك ليها اوي وحسيت اننا دلخنا حصة تاريخ وكمان معاها حصة نحو وتشديد وبفتح الكلمة وضم الكلمة يعني الموضوع كبير
وكمان شرحتي جغرافيا وحسيت اني ماشية مع مرشدة سياحية قعدنا بتفرجنا المدينة بجد
فاماشاءالله عليكي يعني لعبتينا كل الالعاب
بجدانا حبيت المدينة دي وانا بعشق المطر فياريت تعزميني فيها مرة كده اتفرج واشرب القهوة دي مع اني مش بحب القهوة بس اي حاجة منك حتبقى حلوة بجد انا حسيت بريحة القهوة وانتي بتتكلمي عنها
وياريت بجد نقدر في يوم نشوف ارض المتعة
بس تفتكري الست اللى بتغسل هدومها واللى بتكنس حنشوفهم برضه ولا حيكونوا مشيوا ولاايه ؟؟
بس بجد البوست جميل والمدينة دي انا حبتها خلاص تفتكري ممكن اقضي فيها شهر العسل بس القهوة دي حتخلي الواحد فايق كده ومانمش ولا اشربها من هنا وانام بقى وساعتها حيبقى شهر بصل عليا مش عسل ههههههههه
ايه قلة الادب بتاعتي دي وانتي مالك بشهر العسل بتاعي
اوعي تدي رايك في اي حاجة غير فى القهوة وبس ياهانم ههههههههه
تحياتي ليكي ولمدينتك الجميلة وبلدك السوادن الاجمل
سلامووووز ياجميل
هل تأخذيني يوما لارض المتعه
احمل اوراقي والواني
الصور بهرتني والكلمات حركت مشاعري
هل احلم معك ان اذهب اليها
صديقتي العسولة هابي هوب سابقا ...هابي نيشين حاليا...ماهو الظاهر كل واحد يكون سنقل و يروح يتزوج يعمل لينا فيها بقي امة بحالها هههههههههه
:)
الله يخليك و انا مبسوطة اني وصفي للمدينة عجبك لغاية ما شميتي ريحة القهوة كمان
و خلي بالك دي قهوة بقرفة مش شاي...يعني المفعول حيكون اقوي مرتين
و خلي بالك من عيالك ههههههه
:)
كلام من القلب
ازيك يا عسل
ماهو كان مستور انتي اللي فتحتيه لغاية ما هابي هوب شمت ريحة القهوة هههههههه
:)
حاضر يا سيتي انا حاسمع الكلام و مش حاعلق علي اي كلمة و لا حتي شهرك عسلك او قلة ادبك ههههههه
:)
العزيزة كاسبر
دائما ما كنتي تتطابقين عندي مع هذه المدينة
اعرف انها ستكون لك جنة و ملهمة لفنك الذي هو اصلا بديع
ارض المتعة لك و لمن هم في مثل احاسيسك و يسعدني ان اقودكم الي مداخلها
احلمي ما شئتي عزيزتي !!!!
العزيزة اللذيذة كلام من القلب
تصدقي بي شنو انا ماخصلني اني جسور سرية دي تقول عليكي قليلة الادب ...قلت اجي اهزأها و ارد عليكي الرد الي تستاهليه ههههههه
:)
يا سيتي الروصيرص و كل اساتذة التاريخ و النحو و الاحياء تحت امرك و حنخليهم يقدموا خدمة المطرة مرتين في اليوم صباح و مساء زي حقنة الدواء كده
شفتي المتعة الانتي حتكوني فيها ههههههه
:)
و علي شهر العسل بقي و لا يمهك ابقي بس رسلي صورة جوازك و العزيزة سلمي و نحن نحجز ليكم راكوبة ديلوكس ده علي شط البحر و بعدين ما تخافي القهوة بتاعتنا بتخلي الواحد مصحصح علي الاخر و عسل في عسل ههههههههه
:)
السلام عليكم و رحمة الله
جسوري الغالية
أرض المتعة! مممم... إحساس المتعة هذا ما أوصلته تفاصيل وصفك لهذه الأرض حبيبتك
لم تستهوني غير رائحة البحر...ملوحة..كثافة..صفاء و اختراق لأوردتي...و ما بين الكنس و القهوة يفاجئنا المطر!...ما أشهى لحظاتي التي مضت حين كنت أقتحم خيوطه المنسدلة من السماء و أركض فرحاً كما المجانين!!ا
أنا مثلك يا جسوري لدي الحنين لبلدة أبي و أمي
:)
هي حبيبة ملأى بالذكريات: أماكن رائعة و أناس رائعون
بصراحة، لا رغبة لي في كسر روعتها التي بمخيلتي بعد أن هبت عليها رياح يسمونها التغيير
:(
مع كامل الود
جمال ما كتبتيه يا جسور أنه يعرفنا على عوالم وأماكن لم نكن ندرى عنها
على فكرة فى الريف المصرى كانوا ـ وربما مازالواـ يستخدمون كلمة كانون والمقصود بها الفرن
وأعتقد حتى فى سوريا يستخدمون أيضا هذه الكلمة غير الدارجة
خالص التحية لك ولقريتك الخضراء الناعسة
العزيزة آية
سعيدة ان الروصيرص حبيبتي نقلت اليك هذا الاحساس الممتع
تعرفين المطر دائما ما يأثرني في اي مكان
بالطبع الاماكن التي تطالها يد التغيير يفسد شئ من روحها و عبقها و لكنها في النهاية تبقي ارض الوالدين و الاجداد
شكرا لمرورك الماطر من هنا
العزيزة كايرو روز
فرحة انا لاعجابك بقريتي الخضراء الناعسة
نعم اعتقد ان هناك كثير من الكلمات الدارجة المشتركة بين كثير من الدول العربية خاصة بين شعوب وادي النيل ...مصر و السودان
و قد لاحظت انا ان هناك تشابه كبير بين اللهجة السودانية و اللهجتين العراقية و المغربية
الصديقة الغالية جسور سرية
أول شي كل عام و انتي بخير و عيد ميلاد سعيد العمر كلو ان شاء الله ... ارجوكي تسامحيني ما قدرت اعيدك
لإني ما كنت بعرف حتى وقت يلي خبرتني حبيبتي هابي
ان شاء الله يارب تحققي كل امنياتك و كل يلي بتحلمي فيه و ان شاء الله دايما بخير و بصحة
البوست تبعك هالمرة غير شكل
دايما بحس فيكي عم توصلي رسالة كثير حلوة ... رسالة فيها عذوبة و عفوية و صدق
عم نكتشف عالمك ... الأماكن و الذكريات و التصوير الرائع لمدينتك هيدا الشي يلي خلانا نشوف روح المكان يلي فيها سعادة و دفئ
بعيد عن المدن لجديدة و الشغل و الحياة يلي بتطحن ينشوف البساطة و الراحة بمدينتك و عم نشوف كمان حنينك و محبتك لكل شبر فيه
اسمحيلي اشكرك على هالبوست و هنيكي على ابداعك
خالص تحياتي
عزيزتي مثلية فقط
انا السعيدة جدا بوجودك هنا و كنت اسأل عن غيابك فعلمت انه لخير
انا مبسوطة انو البوست عجبك و قدرت اوصل ليكي احساسي بالمكان و تفاصيله الجميلة
لا تغيبي حتي لا يفقد المكان بهاؤه مرة اخري !!!
عزيزتي جسور سرية
عذرا على التأخير معلش سامحيني
ما اروع تلك المدينة الصغيرة و ما اجمل ذكرياتك البسيطة التي ذكريتها لنا مع تلك المدينة القريبة الى قلبك
عفوا سأطالب بحقي في امتلاك احد تلك الاحجار الملونة لانني اعشق هذه النوعية من الاحجار
و يكفيني انها من مدينتك الجميلة
ما كتبته جعلني اشعر و كأنني ارى تلك الصور التي رسميتها لمدينتك رؤي العين ... بصراحة الوصف رائع و جميل
اتمنى ان ازور مدينتك لارى هذا الجمال الهادىء بها
اشكرك على تعريفنا بمدينتك الجميلة
العزيزة هارت بيت
انا مبسوطة لاعجابك بمدينتي الجميلة و يبدو انني سأنظم فوج سياحي لان الجميع يرغب في قضاء وقت ممتع في ارض المتعة
:)
لن انسي ان اجمع لكي مجموعة من تلك الاحجار الجميلة عند زيارتي القادمة انشاء الله
Post a Comment