سماء هذه الليلة مقمرة ,بديعة في ضوئها كادت ان تجعلني انسي اهمية النوم المبكر استعدادا ليومي الاخير.ذهني مشغول بفكرة التجوال غدا في اسواق المدينة و شراء هدايا العودة و ترقبي لزيارة دكتورة سارا التي وعدتني بها غدا في المساء.
هناك نوع من الاشخاص لهم طلات و حضور باهي , تلتقيهم مرة واحدة او مرتين الا انك تحس انك تعرفهم منذ زمن بعيد,لا ادري ماهو الشئ الخاص الخفي الذي جذبني لهذه السارا ,كل ما أعرفه انه تكون بيننا رباطا سريا متين
و انا مندسة داخل فراشي استدعي النعاس رن جرس هاتفي,اسمع صوت احدي الزميلات علي الهاتف تسألني ان كنت اود ان اشاركهم غدا في حفل سيذهبون اليه سويا. اجبتها بأنني لا استطيع لانني انتظر زيارة دكتورة سارا,اجابتني ببساطتها المعهودة في القاء الكلام لا ادري كيف تتعاملين مع دكتورة سارا هذه؟ و اضافت بنبرة مستاءة قليلا ... بعيدا عن غطرستها و تعاملها الاستعلائي مع الجميع فهي مثلية تشتهي النساء....مثل هذه النوع من الاشخاص اجد صعوبة في التعامل معه ,يا سبحان الله دي حتقابل ربها يوم القيامة كيف؟؟؟
انتزعني كلامها من هدوء كامل و استرخاء, احالني الي حالة من الانتباه الذهني المتعب,حاولت ان اختصر مكالمتها بأنني ساحاول ان آتي معهم ان استطعت.
اقلقت عباراتها عن دكتورة سارا نومي و القت به بعيدا,لماذا كلما هربت من ذكرياتي البعيدة تأتي رباطات سرية متينة لتعيدها مرة اخري الي المشهد, و لما دائما يطاردني انجذابي الي نار الاشخاص الذين يهددون خزائن قلبي الكبريتية اشتعالا, تلك الخزائن التي اطفأتها بمياه النسيان منذ امد.
هل انا مرة اخري انزلق الي هوة من الاحاسيس حسبت اني بمراكمة النسيان والخداع المؤقت قد ردمتها الي الابد؟و ماذا تفيدني الان الاجابة علي مثل هذه الاسئلة التي تزيد من رغباتي وضوحا و شبق.فقط استريح لو اعرف لما الآن و هنا بالتحديد!!!
محاولات فاشلة لنوم ابدا لن يجئ و احلام مرهقة لنساء عشقتهن في زوايا مغلقة من الذاكرة .انقضي ليلي المنهك ليأتي صباحا اكثر قلقا و ارهاقا !!!
اتجول في شوارع المدينة,تجذبني المحال التجارية بروعة معروضاتها و طريقة اصطفاف مبيعاتها التي لا تترك لك خيارا سوي الاعجاب بمهارات القائمين عليها.احاول ان اتغلب علي ذاكرتي المهترئة بقصاصة ورقية كتبت فيها كل ما احتاج شرائه ليومي هذا.انظر الي ساعتي للتأكد ان هناك متسع من الوقت قبل موعدنا.
فكرة انني عابرة في المدينة تهز سكوني و تنسف محاولات التعود عليها و علي شوارعها.احسد اهلها الذين تسير حياتهم برتابة و لا تقلقهم افكار الرحيل و الغربة.
آه كم اكره الشوارع التي تقودك قسرا لمعانقة الحنين سهوا و دون اعتبار لنتائج السقوط في مثل هذه الفخاخ الوجدانية.تثقل روحي نوارس الوحدة التي لا تطير الا باتجاه القلب ,تفتت من عصب تماسكي ,تحولني الي كائن بلا اجوبة او دفاعات.
اخافها تلك الوجوه المطمئنة بهيامها و اخشاها تلك العيون التي تساءلك عنوة عن معني وجودك و تجادلك في احتمالات الهرب.ثمة رنين لابرة تحاول ان تخيطني بقاءا في ذكريات حاولت انا انساها عن عمد, من انا؟ و ماذا اريد؟ و كيف لي ان اعيش في حياة تأبي الا ان تشطرني نصفين, كلما اخفيت احدهما يذكرني الاخر بنفسه احتجاجا علي التجاهل والهرب.
هل هو ذلك الكتاب المخيف و قارئة طالعه من القي بي في هوة المواجهة و التصادم؟ هل هي رائحة زيته المختلطة بالقرفة من تعيدني قهرا الي ممالك النساء و الاشتياق؟هل هي ابتسامة سارا الهادئة دوما من تزلزل وقارا اجتهدت سنينا في بنائه علي حساب فطرة الفرح و الاشتهاءات؟ اسئلة تزاحم بعضها و لا اجابات سوي قلق يعيدني الي نفس القلق.
هاهو عقلي المشتت تداهمه ارتياحات مفاجئة و احاسيس الانتصار و الهدوء.بقدر ما تثيرني غيرة غير مفهومة من سارا لا استطيع وصولها لانها من ورق ,بقدر ما تريحني فكرة الحصول علي سارا اخري من وجود و عصب .تغازل روحي التي اعياها الجفاف و تدفعني دفعا لاعلق وقاري علي شماعة الزمن واتناساه. اسافر وجدا الي عوالم اغلقت ابوابها منذ سنين.
توقفي يا روحي العجلة عن القفز الي افتراضات سابقة لآوانها و كفي عن تأويل الاتصالات التلفونية والايحاءات و ترجمتها الي احتفال و سرير.
توقفت عند محل لبيع العطور النسائية, توجهت الي البائع اسأله عن ذلك العطر الجميل اشار الي احدي الفترينات الزجاجية, توجهت اليها ,ابتعت لي زجاجة كبيرة الحجم و خرجت.ثمة شئ ما يدفعني ان اتعطر بعطرها الخرافي الذي لا يفوق جماله سوي روعة صوتها العميق.
رجعت الي المنزل قبل وقت كافي عن موعدنا.اعددت ابريقين من الشاي و القهوة, تنبهت اني لا اعرف ما هو شرابها المفضل.تركت تحديد ذلك اليها لاحقا و عزمت علي الا اترك تحديد اتجاهات لقائنا الي قلب مجنون و مجهد. حزم عقلي امر تكبيل هذه الاحاسيس المتفلتة و قررت مرة اخري خيار الصمود و التجاهل ازاء احاسيس لن تقودني سوي الي وجع آخر.
دق جرس الباب .تمنيت سرا الا تأتي الا ان قلبي و رغبتها في المجئ تآمرا علي بشدة.فتحت الباب و انا استقبل قدومها بمجهودات كبري في التماسك و بادلتني هي العناق بحرارة فائقة.
دخلت و هي تعتذر عن ازعاجي فهي تعرف ان هذا يومنا الاخير في المدينة و الجميع مشغولون بالتجوال و التبضع,اجبتها بأن لا تقلق فقد قمت بهذه المهة منذ بداية اليوم.سألتها و انا اتجه الي المطبخ ان كانت تريد شئيا, استوقفتني ممسكة بيدي قبل ان أذهب و قالت لي بصوت هادئ و عميق اشكرك....لا أريد شئيا...أريدك انتي!!!
تبا للتلاعبات اللفظية التي تطابقها مع الورق و تبا لتلك الصديقة التي اشارت علي بشراء قارئة الطالع .غضب لا اعرف اين اوجهه يختلط بخوف مشروع و امل.
احست هي ان رفضها بدا غير مهذبا و لائق فقالت بسرعة اذا كان لابد من شئ بسأكتفي بكوب من الشاي.اتجهت الي المطبخ دون ان اقول شيئا,سمعتها و هي تضيف افضله بالقرفة لو سمحتي فهي مريحة للاعصاب و الجسد.
عدت و انا احمل صينية عليها كوبين من الشاي و قلب مبعثر.اراقبها ترشف من كوبها الشاي الساخن و انا ارتشف كوبا من الصمت المطبق.ابتدرت الحديث بسعادتها عن مقابلتي و بنجاح الورشة والاقبال الكبير عليها من قبل شخصيات تعتز بمعرفتها .احاول ان اجمع ذهني المشتت لاتابع معها الحوار و فجأة تذكرت انها وعدت ان تحضرلي كتابا, سألتها و انا احاول ان اركز في حوارنا
اها كويس انك ذكرتيني, كدت ان انسي , اجابتني و هي تخرج الكتاب من حقيبتها,شعرت بشئ حاد يخترق ضلوعي و يمزقها و انا اراها تخرج نسخة من قارئة الطالع.تسمرت امامها وانا اسمعها تقول انه كتاب ذو ذكريات خاصة بالنسبة لي ,كاتبته صديقة عزيزة ,التقيتها في احدي ورش العمل بأمريكا اللاتينية.لا ادري هل هو ذهول المفاجئة ام جنون اللحظة من دفعني ان اسألها بهدوء يخفي غيرة غاضبة ان كانت صديقتها قد استمتعت بأصابعها و هي تمر في جسدها علي مهل و باتقان بزيتها المخلوط بالقرفة !!!
ابتسمت بهدوء كأنها قارئة طالع تعرف ما يدور برأسي !!! و قالت بصوتها الذي لم يغير سؤالي المجنون من هدوئه المعتاد....تعرفين اذن؟ سألتني و هو تضع الكتاب بهدوء علي الطاولة و اجبتها انا بالايجاب دون ان احاول ان اخفي دمعة هاربة لا اعرف سببها ,امسكت راحة يديها بكلتا يدي, قبلتها بعمق اثار في كلانا بعض الهواجس و الاحاسيس المبهة ولم ترغب هي ان تتركني بلا اجابات شافية لهواجسي او احاسيسي, مالت بجسدها الي حضني فلم اشعر برغبة في الممانعة, قبلتني تحت العنق تماما فلم اشعر بنفسي ,ثم مالت الي شفتي تحرقهما بلا عجل فلم اشعر بالدنيا و نمت ليلتها كما لم انم من قبل!!!
و لم يبقي للحكي من بقية
لمتابعة الاجزاء (1) (2) (3) انقر علي الرابط ادناه