كارميل او (سكر بنات) فيلم لبناني للمخرجة نادين لبكي يعرض الان علي شاشات السينما الامريكية.الفيلم عبارة عن قصة اجتماعية معقدة وبسيطة في الوقت نفسه ، تعرض مظاهر مختلفة من الحياة الاجتماعية في لبنان مع التركيز على جوانب مثل التآخي ، والقضايا الاجتماعية الملحة مثل الحب ، والزنا ، والاعراف الدينية ، والشيخوخة, والمثليةالجنسية عبر احدي شخصيات الفيلم (ريما) التي تقوم بدور امرأة مثلية ,وهو فيلم جرئ وغير متحيز في استكشاف كل هذه الجوانب.
الفيلم يعرض لنا كثير من المشاهد التي تعري لنا الحياة اليومية في عالمنا العربي التي تخبئ ورائها كثير من العواطف المدفونة في عالم النساء، والتي ستجعل لديك عند مشاهدة الفيلم مشاعر مختلفة في الوقت نفسه,من الابتسام الى البكاء
.الفيلم يروي حياة العديد من النساء اللائي يعملن او يترددن علي صالون للتجميل في بيروت. ليال فلنقل امرأة ملتزمة اجتماعيا، الا انها في حالة حب مع رجل متزوج. نسرين علي وشك الزواج ولكن لديها مشكلة ضخمة ؛ و هي انها لم تعد عذراء. ريما امرأة مثلية تعشق النساء، وتحب امرأة واحدة على وجه الخصوص. جمال تتخوف من الشيخوخة. روز كرست نفسها لرعاية اختها المسنة للي. سهام وهي الشخصية التي يصورها الفيلم علي انها الاكثر مثالية وجاذبية والتي تتعلق بها ريما.
كارميل حقيقة قصة جميلة بشكل لا يصدق تقوم بعرض الحياة اليومية العادية للمرأة اللبنانية وكيفية التعامل معها.
اي امرأة سوف تشاهد هذه الفليم ستكون قادرة على رؤية نفسها في واحدة على الأقل من الشخصيات في هذا الفيلم. سأعود لأحكي لكم عن انطباعاتي بعد مشاهدة هذا الفيلم الرائع
والدي من نوع الاشخاص الذين يفرقون من بين عملهم و علاقاتهم الاجتماعية,بقدر ما يحبه الناس كشخصية اجتماعية الا انه حازم جدا مع الذين يتعاملون معه في التجارة, لا ادري ربما هذا ما جعله ناجحا في عمله.احيانا اهابه عندما اراه يتحدث الي احد و تختفي هذه المهابة لتتحول الي محبة عميقة عندما تتيح له سانحة لنجلس سويا و يحدثني كيف اوقعته امي في شباك غرامها.
يا الهي احيانا افتقد امي بشدة.ذاكرتي تجاهها كقطع سحاب متناثرة هنا و هناك.حدثين اتذكرهم بكل وضوح ,انني يوما جرحت اثناء لعبي مع الاطفال في الشارع فجري اليها احدهم يخبرها بذلك .جاءت تجري من البيت تبكي و علي وجهها فزع واضح, حملتني و اشارت الي احد الخادمات ان تسرع في مناداة الطبيب, لم يكن الجرح عميقا الا ان امي اصرت ان ابقي في سريري لمدة اسبوع كامل دون حراك و قضت تلك الليالي السبع بجانبي .اه كم سعدت بجرحي في ذاك الوقت.الحدث الاخر كنت في صحبة بعض الاصدقاء نتبضع في السوق عندما استوقفني سائق والدي و اخبرني ان علينا العودة فورا الي المنزل.ذهبت و انا لا ادري ما العجلة,عندما وصلنا رأيت والدي متجهم الوجه و معه عدد من الرجال لم استطيع تمييزهم ربما بسبب توتري علي الارجح,جريت الي حجرة امي وجدتها راقدة في فراشها و تعب بين في ملامحها و وهن, الي جوارها الطبيب,فزعت جدا الا انني لم اقل شيئا و لازمت حجرتها طوال ثلاث ليال دون ان اسألها مابها و دون ان تستطع هي اخباري لألمها الشديد حتي ان ايقظني ابي صباح اليوم الرابع و انا مستلقية بجوارها احمل حقيبتها الجلدية المزركشة ببعض الاصداف البحرية و جلد الماعز التي اهدتني اياها,أمرني ابي ان اذهب الي حجرتي فرفضت و قلت له انني اود ان ابقي الي جوار امي, نهرني بقوة و امر الخادم باخذي عنوة الي غرفتي, لم افهم سر خشونة ابي في ذلك اليوم و لا سر تواجد كل هذه الاعداد الغفيرة من الناس طوال الايام التي تلته, كل ما اعرفه اني لم استطع رؤية امي مستلقية في فراشها ابدا بعد ذاك اليوم.
اخذت ارتب مع سارا حاجياتها التي ستأخذها معها الي منزلي,جاء زوجها في هذا الاثناء و اعطاها بعض من النقود و اخبرها انه سيقوم باتمام اجراءت طلاقها في الايام القادمة و شكرني بكلمات مقتضبة و خرج.حتي ذلك الوقت لم اكن ادري مدي المها حتي لمحت دمعاتها تفر من عينيها, وضعت الحاجيات جانبا و احطها بذراعي و انا اواسيها و اخبرها الا تحزن فهي جميلة و صغيرة السن و بلا شك ستجد لها زوجا اخر. انفجرت باكيا و هي تقول انا حزينة لحالي لا عليه هو,قلت لها لابأس انا اعرف انك احببته ووو....قاطعتني بحده و هي ماتزال ملقية برأسها علي كتفي , لا انا لا احبه! .لم ادري ماذا اقول فصمت.
بقينا هكذا برهة فأردت ان اكسر حاجز الصمت اللانهائي,قلت لها هل تشعرين انك ستكونين بخير في صحبتي؟ اجابتني و هي تزيح نفسها قليلا عني لتواجهني باتسامتها الهادئة (نعم !!!) شكرتني و هي ممسكة راحت يدي بكلتا يديها قبلتها بعمق اثار في بعض الهواجس و الاحاسيس المبهة ثم تركتني بلا اجابات شافية لهواجسي او احاسيسي
!!!
احيانا احس بالغربة و انا داخل منزلي ,عدد كبير من الاشخاص الذين يدخلون و يخرجون لاغراض مختلفة تخص عمل والدي بعضهم رجال و بالبعض الاخر نساء,بعضهم يبقي لساعات و البعض قد يقضي ايام و شهور في هذا المنزل الواسع ,و لكني لم احاول اصنع علاقة خاصة او ذات بال مع اي منهم, كلهم بالنسبة لي عابرون,تناديني سارا عبرباب الغرفة الموارب,اسمعها تقول انها انتهت من ترتيب حاجياتها و تود ان تساعدني في بقية مهامي المنزلية ان كنت ارغب في ذلك.
اليوم صحو و ان كان يغلب عليه الطابع الخريفي,برودة خفيفة و رطبة,اختلاط رائحة اشجار الياسمين و هواء البحر يعطي للمكان نكهته الخاصة. خرجنا في الصباح نحو السوق لنشتري بعض الحاجيات التي نحتاجها للمنزل كما انني اردت ان اخذ سارا لتشتري ما تحتاجه لاقامتها هنا.في الطريق قصدنا محل لبيع القماش ثم عرجنا علي سوق الخضار و الفاكهة وخرجنا منه الي سوق السمك الذي لا يبعد كثيرا عن سوق العطارين,فكرت ربما نحتاج شيئا من هناك فقررت الذهاب الي عطاري المفضل.ابتعت بعض الاشياء من عطراللافندر و زيت لوز و اوراق نعناع جافة,رأيت سارا تحدق بشئ ما , قلت لها و انا مازلت اقلب في البضائع ان عليها ان تأخذ ما تريد ,اجابتني و هي ممسكة بزجاجة لخليط من زيت الحبة السوداء و القرفة ان علي ان اشتريها لنفسي, نظرت اليها متساءلة قالت و هي ترمقني باتسامتها الهادئة انه مريح للاعصاب و الجسد,اخذتها دون ان اسأل ووضعتها في سلة المشتريات. قفلنا راجعين البيت بعد يوم طويل و مرهق و كلي امل ان احظي بقليل من الوقت عند عودة ابي لأعرفه بضيفتنا الجديدة
.
اعتادت سارا علي المكان ووجدت طريقها الي قلب سكانه.اراها في الصباحات تساعد الجميع في ترتيب المنزل وفي المطبخ طوال اليوم تعد الطعام للضيوف و الزوار الذين لا ينقطعون عن الزيارة.عند الظهيرة تتناول غداءها معي نتحدث قليلا ثم تختفي مرة اخري بحجة انها لا تود ازعاجي, لا ادري لماذا كلما غابت كلما افتقدها اكثر.اخبرتها في صباح احد الايام انني اود ان اعلمها كيف ترسم و تطرز قطع القماش كما كانت تفعل والدتي,رأيت في عينيها حماسة و اهتمام و اجابتني انه من دواعي سرورها,هكذا عرفت كيف ابقيها الي جانبي طوال الوقت.احكي لها عن امي و عن ايامي وحيدة في هذا المنزل الممتلئ بالبشر و كيف انني اكتشفت و تعلمت قدراتي في قراءة الطالع و تحكي لي كيف فقدت اسرتها و كيف كانت تسير حياتها قبل الزواج
.
مرت الشهور بسرعة و جاء الشتاء برياحه الباردة و نهاراته القصيرة, قلت زياراتي الي اهل المدينة بسبب قسوة الطقس كما انني بدأت احس باثار الشتاء الآما في عظامي.سألتني سارا و هي مستلقية بجانبي علي السرير نستمتع بدفء الغرفة ونستمع الي اغنيات قديمة عبر المذياع,سألتني ان كنت اذكر اين احتفظت بتلك الزجاجة التي اشتريناها من سوق العطارين, عقدت حاجبي و انا انظر اليها نظرة متساءلة, اردفت قائلة تلك الزجاجة التي بها خليط زيت الحبة السوداء و القرفة,اجبتها و انا افكر ما المناسبة التي جعلتها تذكرها الان انها في خزانتي,ذهبت الي الخزانة و احضرتها , امرتني ان استلقي علي السرير و ازيح بعضا من ملابسي حتي يمكنها ان تمسح الزيت علي جسدي قائلة انها هذا سيساعد في تخفيف الآم الشتاء,اطعتها دون ان اسأل
.
لا ادري هل هو احساس الشتاء الذي يغريك بالبحث عن الدفء ام هو تأثير الزيت المذهل علي جسدي او ربما هي اصابع سارا تمر في جسدي علي مهل و باتقان مثيران للراحة والشهوة في آن واحد.لا ادري ماهو ذلك بالضبط ,كل ما اعلمه انني نمت كما لم انم طوال حياتي
.
رن جرس هاتفي.وضعت الكتاب جانبا و رفعته لارد عليه,جاءني صوتها من الطرف الاخر عميقا و واضحا(اهلا و سهلا ...اسفة لازعاجك معك دكتورة سارا....تقابلنا بالامس في الورشة عند قاعة الافطار و لم استطع ان القاك في نهاية اليوم......اذا لم يكن لديك مانع اود ان اراك مرة ثانية) اجبتها و انا مبتسمة نعم يسرني ان التقيك !!!!اضافت قائلة انها ستحضر لي كتابا تودني ان أقرأه....اغلقت سماعة التلفون و انا اشكرها.
عدت مكاني و قد تحولت ابتسامتي لضحكة فجائية وانا اقفز كالاطفال مأخوذة باتصالها و بكتابها المرتقب و بفرحي انني اخيرا تذكرت اسم العطر الذي كانت ترتديه يوم امس.......شئ ما يجعلني اكون كالاطفال عندما يتعلق الامر بذاكرتي الخربة!!!
مازال للحكي بقية......... يتبع
لمتابعة قارئة الطالع (1) و (2)انقر علي الرابط ادناه
http://www.ajihadforlove.com
http://www.ajihadforlove.blogspot.com
في الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، أمام جمع من الطلاب في جامعة كولومبيا في نيويورك أنه "لا يوجد مثليين في إيران"، فاز فيلم وثائقي يحمل اسم "جهاد من أجل الحب" ويلقي الضوء على فئة المثليين الجنسيين المسلمين، بالجائزة الخاصة لمهرجان تورونتو للأفلام.
ويوثّق الفيلم، الذي أخرجه هندي مسلم يدعى بارفيز شارما، حياة المثليين المسلمين في 12 دولة إسلامية وغربية، بينها ايران ومصر وجنوب افريقيا وفرنسا.
واللافت أن جميع الشخصيات، التي بحث عنها المخرج طيلة 5 سنوات، "يعرّفون أنفسهم بأنهم مسلمون اولاً، ومثليين ثانياً"، وفق ما يقول المخرج لـ "العربية.نت"، مشيراً إلى أن جمهوره الأساسي هو "المسلمين. ويضيف أنه يريد "فتح حوار ونزع (التابو) عن كلمة المثلية في العالمين العربي والاسلامي".
من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل التي يصورها الفيلم محسن هندركس، وهو إمام مسجد في جنوب افريقيا وأب لثلاثة أطفال، وهو احد الشخصيات المؤثرة في الفيلم. ويسرد محسن قصة حياته، إذ ترعرع في عائلة مسلمة، وكان الدين والمسجد حاضرين بشكل أساسي في حياته. وبعد زواجه وإنجابه 3 أطفال، شعر بارتباط شديد نحو أحد أصدقائه الشباب.
وخلال أحداث الفيلم يقول الإمام الجنوب أفريقي إنه يعيش في خوف مستمر، بعد أن "خرج من الدولاب" (وهو تعبير يستخدم للإشارة إلى المثليين الذين يعلنون عن توجههم الجنسي)، عبر برنامج إذاعي. وتلقى تهديدات بالقتل، بعدما تحدث عن ضرورة إيجاد طريقة للتوفيق بين دينه الإسلامي وتوجهه الديني.
ويظهر هندركس، في إحدى لقطات "جهاد من اجل الحب"، يتحدث مع اطفاله (الذين تم محو ملامح وجوههم في الفيلم لحمايتهم) عن ما سيحدث له ان حاول احد قتله، فتقول ابنته "ساطلب منهم ان يقتلوك بسرعة حتى لا تتألم".
وفي مشهد آخر يناقش الامام رجل دين عن الاجتهادات المختلفة حول المثلية في القرآن، و يفسر له الفرق بين "المثليين" وجرائم جنسية أخرى كالزنا والاغتصاب. فيرد عليه الشيخ "لا يوجد خلاف بين العلماء حول عقوبة المثليين، الفرق الوحيد بينهم هو طريقة تنفيذ عقوبة الموت."
كما يصور الفيلم كلّا من أمير و بايم و مجتبى، وهم ثلاثة شباب ايرانيون تعرضوا للجلد بعد ان قبضت عليهم الشرطة في حفلة للمثليين. فهجروا بلادهم إلى تركيا، حيث يبحثون عن دولة غربية مستعدة لاعطائهم حق اللجوء.
كذلك نرى مازن، الذي تعرض للاغتصاب في سجن مصري اثناء تاديته عقوبة السجن لمدة عام، بعد ان قبضت عليه الشرطة المصرية في حادثة ملهى باخرة الملكة في القاهرة. وهو يعيش حالياً في فرنسا، ويعتبر من الشخصيات القليلة التي قبلت بإظهار وجهها في الفيلم.
ويقص الفيلم رواية المثليات الجنسيات ايضا، ومنهن مها ومريم، اللتان يصفهما بأنهما "محجبات متدينات". وتظهر جليا التساؤلات التي تراودهن حول مدى شرعية المثلية الجنسية. وتقول مها انها ستقف امام الله يوم القيامة، وإن سُئلت عن ذنبها ستقول "ذنبي اني
حبيت.... و الله غفور رحيم
اصوات مختلطة تأتيني عبر النافذة الخشبية تداهم نومي صخبا, تذكرني باهمية الاستيقاظ و الاستعداد المبكر ليوم تبدأ مشقته من عناء اختيار ملابسي انتهاءا بالتركيز الشديد كشجرة قديمة لا مجال لها للهروب و لا مفر لها سوي التحديق الاخضر و انتظار العابرين.
اتأكد ان اوراقي مرتبة و ان حقيبتي ممتلئة بكل ما احتاجه ليومي الطويل,احرص علي حمل الة التسجيل حتي عندما اكون متأكدة انه لن يكون هناك وقت للاستماع و احمل كتابي باصرار مفعم بالرغبة في قليل من وقت الراحة.
المكان المخصص لورشة العمل ليس فخما للغاية الا انك تحس فيه بالالفة و التميز.احب في الجدران الالوان الهادئة و الواضحة في آن واحد,اذكر كم كنت اجادل صديقتي في محبتها للون الرمادي اذ رغم هدوئه الا انني اعتبره لونا باهتا, كم كانت تغيظني و تقول انني اعتبره كذلك للاختلاط المفاهيمي الذي تعطيك اياه المفردة و التي تكون في كثير من الاحيان تعبيرا عن الشخص الغير واضح او المواقف غير الحاسمة( يا ابيض يا اسود) كما يحلو لها تسميتها. نعم اعترف ربما فكرة الوسطية في اللون الرمادي هي ما يرهقني و لكني من حيث الرؤية و الضوء مازلت اراه لونا باهتا.
في مثل هذه المناسبات الاكاديمية اتردد فيما كان من الافضل انجاز مهمة تناولي افطاري باكرا ام من الافضل ارجاؤها الي حين.احيانا تداهمني الرغبة في الاكل بشكل مريع ,تشتت تفكيري و تحول افكاري الي عناصرها البدائية جدا.
حسمت احدي الحضور تفكيري بتحية صادقة ( صباح النور.....سعدنا جدا بوجودك معنا....هل لديك مانع ان اشاركك طاولة الافطار؟)...(ابدا بالعكس من دواعي سروري.....تفضلي)اجبتها و انا مأخوذة برائحة عطرها الخرافي.....احاول اثناء ابتسامتي المرحبة ان احاول تذكر أسم هذا العطر الجميل.
اثناء الافطار تبادلنا احاديث عابرة عن اهمية ورش العمل هذه و التي تتيح تبادل الخبرات و المعارف الاكاديمية للمهتمين بالعلوم الانسانية و كيف ان حياتها في عدد من دول امريكا اللاتينية ساعدتها في اكتساب خبرات كثيرة حول عادات هذه الشعوب و ثقافاتها,اخبرتها بدوري عن اهتمامي بالدراسات التاريخية و فنون الرواية و السرد ,ثم تذكرت قارئة طالعي ,قفز في ذهني ان اعيرها الكتاب لتقرأه.
رن جرس هاتفها مقاطعا حديثنا....استأذنت و عدت انا اصارع ذاكرتي في تذكر اسم ذاك العطر. لا ادري لماذا تتملكني احيانا رغبات جنونية في تذكر اشياء اعرف تماما انني لن اتذكرها او انه لا هدف محدد من محاولة تذكرها.
اراقب حركات يديها و هي تتحدث بانفعال لكن بصوت خفيض الامر الذي يجعلها جذابة جدا و مفعمة بالحيوية و الثقة .شئ ما يجذبني للنساء اللائي تعبراجسادهن عن افكارهن اكثر من الكلمات.
افتح حقيبتي و اخرج الرواية احاول ان اقرأ قليلا ريثما تعود.افتح الصفحة المطوية بعناية في نهاية الجزء الثاني من الرواية و اواصل الاستغراق في لقاء قارئة الطالع بالزوجة العقيمة كما يصفها الزوج.
قالت قارئة الطالع و هي ممسكة بيد المرأة انها لا تريد شيئا و انها ترغب في محادثتها.استسلمت لاصرارها الفتاة و عادت لتجلس في مكانها.هكذا انتهي الجزء الثاني من الرواية ليبدأ جزءها الثالث ليواصل السرد علي لسان حال قارئة الطالع.
ذهبت في ليلتي تلك لفراشي و انا احس بالارهاق ربما هو الاستيقاظ الباكر و ربما هو التفكير بها و بمأساتها المؤكدة. لا يوجد رجل في مدينتي يبقي في بيته امرأة لا تنجب....ماذا ستفعل و الي اين ستذهب و هي كما تقول تربت في ملجأ للايتام ليس لديها اقارب سوي ابنه عم تعيش مع زوجها في بيت عائلته و لا تعتقد ان وجودها معها سيكون مرحبا به تماما....احاول ان افكر بما سيكون رد والدي ان طلبت منه السماح لها بالاقامة معنا.....يمكنها ان تؤنس وحدتي و تساعدني في اعمال المنزل....فكرت بهذا و انا اوي لفراشي.
استيقظت عند الظهيرة .الشمس لافحة هذا النهار رغم البرودة النسبية للجو,رائحة البن القوية تفوح من البيوت المجاورة ,تتخلل الهواء اصوات الاطفال يتلاعبون في الساحة و النسوة يتبادلن الحكايا و الاخبار.
لبست ملابسي قاصدة منزلها.فتحت لي الباب بابتسامة هادئة و انا ارقبها باهتمام و شفقة.لم تحاول هذه المرة ان تجاملني بالسؤال بل جلست مستسلمة كأنها سجين يترقب حكم قاضي غير رحيم البتة.
فضلت ان لا اطيل انتظارها. (يسعدني ان تنتقلي للاقامة معنا اذا لم يكن لديك مانع) و استطردت في شرح دوافعي دون ان اجرح شعورها.( تعرفين انني اقيم وحدي مع والدي المشغول دوما بعمله و انني.......)قاطعتني قائلة و ابتسامتها الهادئة لم تفارقها (متي تريدني ان ارحل؟) لم اكن ادري ان الامر سيكون سهلا هكذا, اخبرتها و انا أداري فرحة غير مفهومة (الان ان شئتي !!!)
عادت محدثتي الي الطاولة بعد انتهاء محادثتها التلفونية,اغلقت صفحة الكتاب واستمعت اليها و هو تشكو ضيق ذرعها بالمكالمات التلفونية و تعتذر عن التأخير, اجبتها و انا انظر الي الساعة ( لا عليك و لكن يجب علينا الدخول الان فالورشة علي وشك الابتداء)!!!تقدمتني بخطي متئدة نحو القاعة تاركة داخلي احساس بالالفة العميقة و عطر لا استطيع تذكر اسمه !!!
إيدير فنان جزائري بربري
رسول الأغنية الأمازيغية/البربرية في جميع أنحاء العالم
طاف القلوب والمسافات بأغنيته المشهورة
A Vava Inouva.. " يا أبي إينوفا "
والتي تتحدث عن أسطورة بربرية ملخّصها كفاح و تضحية فتاة اسمها
غريبا" نحو والدها العجوز "إينوفا" و إخوتها الصغار وهي في ربيع العمر من أجل لقمة العيش لها و لأسرتها في بقعة من بقاع الأرض وُلد إيدير في الجزائر عام 1949 بقرية بربرية.. واسمه الحقيقي " حميد شريت " .. درس علم الجيولوجيا .. وكان من المفترض أن يلتحق بإحدى المؤسسات البترولية في بلده ..ولكنّ الأقدار قادته في عام 1973 للحلّ مكان أحد المغنيين في إذاعة الجزائر لأداء أغنية للأطفال .. وبعد ذلك سجّل هذه الأغنية قبل ذهابه للخدمة العسكرية .. وكانت انطلاقة غير متوقعة له و شهرة عالمية على مدى سنوات عديدة .. ومن هنا بدأت مسيرة هذا الفنّان المتميّز في كل شيء..
هذه الأغنية مستمدّة من أسطورة جزائرية/أمازيغية يبلغ عمرها عشرات القرون .. و هي تروي حكاية ساندريلا المغاربية .. الفتاة الأمازيغية التي تعمل طوال النهار في حقول الزيتون.. تقطف الثمار وتحرث الأرض وتعلف للمواشي.. فإذا غربت الشمس.. عادت تجرّ تعبها إلى البيت.. حيث يقبع أبوها الشيخ وإخوتها الصغار.. تدقّ الباب فيحتار الشيخ .. أيفتح الباب لقادمٍ لا يعرفه ـ تسمّيه الأسطورة وحش الغابة ـ فيقضي على أولاده ولا يستطيع له دفعًا .. أم يسدّ الباب في وجه من تقول أنّها ابنته .. صورة لموقفٌ إنساني غير موجودة في أي تراثٍ مشرقي. تتدخّل الأسطورة لتقول أن الوالد اتّفق مع البنت على أن تَرُجَّ أساورها التي تحفظ صوتها .. فإذا سمعه فتح الباب لابنته ولما تحمل من رزق ..عندها فقط .. تلج البيت بعد الاختبار و تأوي إلى حضن الوالد الهرم منشدة حزناً " أخاف وحش الغابة يا أبي".. فيجيبها والدها متأسفاً و باكياً .. "وأنا أيضًا أخافه يابنتي".. ويطلب الوالد غفران الصغيرة لعدم فتح الباب لها من أوّل طرقة.ثم تحملنا الأغنية إلى أجواء المنطقة المثلّجة.. راوية حكاية الشيّخ المتلفّع في بُرْنُسِهِ .. وابنه المهموم بلقمة العيش.. والعجوز التي تنسج على المنول.. والأطفال حولها يحلمون بالربيع المقبل .. بأعراسه وبركاته.. بتُفَّاحِهِ وخَوْخِهِ ومِشْمِشِهِ.. وذلك رغم الثلج الرابض خلف الباب.. بينما يختفي القمر وتحتجب النجوم ويتوسّد الشبان والأطفال أمانيهم فيما يستمعون لأقاصيص الجدّة العجوز.يقدّم لنا إيدير بهذه الأغنية .. أجمل خليط من مشاهد حاضرة وأخرى أسطورية.. ويرسم يوميات هذا الجزء من الوطن العربي .. بما فيه من جمال و بؤس و تضحيات لا يذكرها سوى التاريخ المنشود ببعض الأغنيات و الألحان الحالمة.
يا أبي إينوفا
هي : أرجوك يا أبي "إينوفا" .. إفتح لي الباب
هو : آه يا إبنتي "غريبا" .. دعي أساورك ترجّ
هي : أخشى من وحش الغابة يا أبي إينوفا
هو : آهٍ يا إبنتي " غريبا " .. وأنا أيضاً أخشاه
هو : الشيّخ متلفّع في بُرْنُسِهِ منعزلاً .. يتدفّأ
لبست ملابسي علي عجالة و كيفما اتفق . لم يكن لدي وقت كافي للتزين كما احب دائما .الافق تظلله بعض الغيمات المتناثرة هنا و هناك, هواء خافت و لطيف مس وجنتي و عبر عند انفي فسرت في جسدي ارتعاشة مفاجئة نبهتني لضرورة احكام معطفي حولي.
في الطريق الي المطار اللافتات تمر مسرعة متجاوزة التاكسي كأنها علي موعد ما,و سائق التاكسي يصر ان يفسد متعتي في الاستماع الي الراديو بترديد الاغنية خلف المغني بصوت نشاز.لا بأس سأستمع الي بعض الاغاني في جهاز التسجيل خاصتي ريثما نصل, هكذا قلت لنفسي مهدئة حنقي تجاه السائق.
لا ادري لماذا دائما عند المطارات احس بالفرح عند مغادرتي و عند وصولي.ربما افرح للهروب المؤقت من التفكير و احتمالية اتخاذ القرارات الخاطئة, علي الاقل انا اعرف سبب فرحي عند العودة,احساسي كطائر عاد الي وكره المهجور بعد طول غياب, الشعور بالالفة و التناغم مع مكونات المكان دون عناء.
ازيز الطائرات صار عاليا جدا و بشكل مزعج, فكرت انه من غير المجدي اهدار حجارة البطارية طالما انني لن استمع جيدا للاغاني مع هذا الضجيج.عند اوقات السفر عادة ما تجتاحني نوبة مفاجئة من التركيز و موهبة جادة في التنظيم و الاستعداد لذا لم استغرق وقتا كثيرا لانجاز اجراءاتي عند البوابة او في شحن حقائبي الممتلئة باشياء لا ادري ان كنت فعلا سأحتاجها ام لا.
عندما استقر بي المقام في مقعدي حرصت علي التأكد من ان لدي غطاء حيث ان هواء الطائرات دائما يشعرني بالبرودة خاصة عند اقدامي.اخرجت الكتاب الذي اشتريته خصيصا لهذه الرحلة و بدأت في تصفح محتوياته الرئيسية.
اه كم اكره لحظات الاقلاع. صوت كابتن الطائرة يأتي عبر مكبرات الصوت واثقا و لطيفا يعلمنا اننا علي وشك المغادرة و يطالبنا بلطف حازم ان نربط احزمتنا جيدا.
عندما تتدحرج الطائرة يداهمني احساس الرحيل و يزيد ارتفاعها من توتري و قلقي. احس انه ليس للعودة من سبيل.احاول ان اهدئ من توتري بالقراءة.
الكتاب-كما قيل لي - عبارة عن قصة عاطفية رائعة.فكرت ربما ستفيدني قراءتها و تساعدني علي الانتعاش. بدأت بقراءة نبذة عن الكاتبة, امرأة تعيش في احدي المدن الساحلية لامريكا الجنوبية , لا تستطيع من اسمها ان تستشف هوية ما,تعمل بمجال تدريس الاطفال المكفوفين و تجيد عدة لغات من بينها العربية التي كتبت بها هذه الرواية, اشعر بالاستغراب فقد كنت اعتقد ان هذه الرواية مترجمة
الفصل الاول يحكي عن مكان الرواية و يصفه بمدينة صغيرة نوعا ما تربط بين افرادها علاقات الدم اكثر من علاقات المنفعة المتبادلة و علي الرغم من الاحساس البدوي الذي تنقله لك الرواية عن هذه المدينة الا ان معظم الشخصيات تصورهم الراوية علي انهم طبقة متعلمة و مثقفة نوعا ما.
احسست ان الكتاب اذا استمر بهذه الوتيرة سيكون رواية مملة تحكي عن حياة اجتماعية لافراد مدينة ما, و اوشكت فعلا ان اغلق الكتاب و احاول ان انام قليلا الا ان الوريقات الاخيرة من الفصل الاول بدأت بوصف جمالي رائع لابنة احد تجار المدينة. ليس وصف الكتاب لمحاسن الفتاة ما لفت نظري انما وصفه للفتاة علي انها قارئة طالع في العشرينات من عمرها.
تأتي اليها نسوة المدينة املا في معرفة اذا ما كان ازواجهن يرغبوهن باخلاص ام يفضلون مضاجعة العاهرات و يأتي اليها رجال المدينة ليعرفوا هل زوجاتهم علي دراية بأنهم يهربون سرا ليلا الي الحانات.
كانت تمارس سطوتها علي اهل المدينة بقدراتها تلك. الجميع يحترمونها و يغيب عليهم تماما الفارق العمري الذي بينهم و بينها , و هي تستمتع بهذا الوضع تماما.
جاءها يوما احدهم يرجوها ان تتفحص عروسته الجديدة التي لم تحبل حتي الان رغم مرور ثلاثة اشهر علي زواجه منها و تعرف اذا ما كان هنا امل ام عليه ان يبحث لنفسه علي عروس جديدة ,فوعدته خيرا و اخبرته انها ستمر عليها غدا في وقت الضحي.
حملت حقيبتها الجلدية المزركشة بخليط من الاصداف و شعر الماعز التي لا يعرف احد ماذا تخبي فيها علي وجه التحديد فهي نادرا ما تفتحها امام احد.
توجهت صوب بيت الفتاة.فتحت لها الباب و هي تخفي دمعة هاربة فعرفت قارئة الطالع علي الفور انها تعرف سبب زيارتها.
تبادلن تحايا عجلة و قارئة الطالع ترمقها بنظرة متأنية و ذات حمولة وجدانية ظاهرة للعيان.سألتها ان كانت ترغب في شرب شئ ما و هي تتجه الي المطبخ, استوقفتها قارئة الطالع ممسكة بيدها قبل ان تذهب و قالت لها بصوت هادئ و عميق اشكرك , لا اريد شيئا...