Saturday, July 26, 2008

رصاصة !!!

في الصباح اصحي اخذ حماما سريعا و اشرب كباية شاي
اخرج من البيت اطلب طريقي الي وسط البلد
في الطريق يلتقيني بياع الجرائد ينادي علي بضاعته بصوت عاليا
الوطن....الحرية....رأي الشعب
اتعجب كيف يبيعون لنا الوهم
هل مازال هناك وطن
و هل يسكنه شعب حر و له رأي
اشك!!!
ابتاع جريدتي الصباحية و اواصل طريقي بلا وطنية
امر علي فاطمة ست الشاي و هي تجلس باستكانة
تكنس المكان حول تربيزة الشاي و القهوة
و ترشه بماء ليس بغزير يعطيني دائما احساس بالرطوبة المنعشعة
و يزيدني رغبة في احتساء كوب اخر من الشاي
ازيك يا فاطمة ...ازيك يا استاذة
ممكن كباية شاي بالنعاع لو سمحتي
حاضر من عيوني
شوفتي يا استاذة القرارات الجديدة دي؟ قرارات شنو يا فاطمة
قالو تاني مافي زول يبيع شاي في الشارع عشان المظهر العام هسة انا عندي ستة عيال و ابوهم متوفي و مالي في القراية و الكتابة ياهو الشاي و القهوة ديل البعرفهم اها بعد كده اشتغل شنو تاني و العيال ديل اربيهم و اكلهم و اشربهم من وين احتسي كوب الشاي في صمت و انا اقول لها بصوت خافت الله كريم...
افرد جريدتي و انا اتربع علي حجر علي الارض بالقرب منها
تتصفح عيوني الاخبار بلا اهتمام
يمر عبد العظيم صاحب الكافتيريا من امامي
يمشي بسرعة كعادته يرفع يده محييا كأنه رئيس دولة
ازيك يا استاذة
يضيف ضاحكا بسذاجة ممعنة في البساطة
و الله ماشاء الله ثقافة شديدة يا استاذة كده مع الصباح
اضحك في سري من طيبة قلبه
التي تجعله يظن ان في الجرائد اليومية ثقافة
سخافة ربما تكون الكلمة الاقرب الي المحتوي
الملم اطرافي و روحي المتعبة
و اواصل المسير الي مكان عملي
امام المكتب اراهم يقفون ويتحدثون
بطريقة تبعث علي الاهتمام و الجدية
زملائي في العمل دائما
تبدأ صباحاتهم بشجار ما
كمال يتصايح و هو يحرك يديه
كأنه مهرج في سيرك
الجماعة ديل بالغوا...ناس الحكومة
ديل بالجد بالغوا و الله
... ياخ الميدان العام ده المتنفس بتاع الحي
الاطفال بيلعبوا فيهو ويوم الجمعة
الرجال بلعبوا فيهو كورة
منذر مقاطعا و حتي لما يكون في عرس
و لا عزا ياخ بنركب فيهو الخيم
سهام تقتحم النقاش اقتحاما
بصوتها العالي و الغاضب
ياخ لا عرس و لا عزا و لا يحزنون ....
ياخ ساي مزاج كده دايرنو الميدان يقعد
انشاء الله نطلع نتمشي فيهو ونشم هوا ...
هما مالهم و مالنا ياخ
كمال مرة اخري... و الله انا ما عارف
الحكومة الزفت دي حتودينا لي وين
الميادين العامة دايرين يشيلوها
يدوها لي جماعتهم
الموظفين احالوهم للصالح العام
ستات الشاي ما يقعدوا يبيعوا الشاي
في الشارع عشان المظهر العام
هو ياخ بلد الناس فيها ما لاقية تاكل
مظهر عام شنو ياخ
احاول ان اتسلل الي مكتبي
دون ان يحس بي احد
فقد سئمت انا مثل هذا المناقشات
العقيمة التي لا تقدم او تؤخر
تلمحني سهام....وين الليلة مالك بدري كده
اخ لا مفر من التواصل اذن
اجبتها ...لا ابدا طلعت بس بدري من البيت
و لقيت المواصلات ساهلة
اها انتو عاملين شنو؟
انشاء الله مافي
اجابتني باختصار و الله تمام
ثم قفزت كما توقعت لمربط فرسها
سمعتي بالاخبار دي؟
اجبتها بصبر....اخبار شنو؟
قالو الليلة حيطلعو الناس من المكاتب
الساعة اتناشر و نص عشان في مسيرة
السيد الرئيس ماشي يحل مشكلة فلسطين
ابتسم ابتسامة خفيفة
....تستمر هيا في ردحها دون ان تنتظر مني
تجاوبا كأنها تحادث نفسها
هو الرئيس داير ليهو مسيرة
عشان يحل مشكلة فلسطين
طيب خليهو يحل مشاكل بلده الاول
و بعدين يحل مشكلة فلسطين
و لا مشكلة الصين ذاتو
وووووووو....كلام كتير لم اسمعه منها
اتركهم و ادخل المكتب
ادير مفتاح المروحة و لكنه يعاند ....
يدخل منذر متذمرا
الله الكهرباء دي زهجتنا ذاتو
و الله البلد دي بقت حاجة تسد النفس
ياخ لا كهرباء...لا موية
في بلد قال فيها اطول نهر في العالم قال
ما عارفين ذاتو نسوي شنو
.. غايتو الله بس يدينا الصبر
يدخل كمال و من خلفه سهام
و هي تصيح بصوتها العالي
انت ذاتك يا كمال غلطان
.... في زول بيبيع ليهو حاجة الزمن ده بي شيك
ياخ البلد كلها قاعدة في السجون
بي سبب الشيكات الطايرة
ياخ ناس الحكومة ديل
ما خلوا قروش لي زول
يجيبها كمال بقلة حيلة
اسوي شنو يا سهام
....
الراجل ياخ راجل محترم و من اسرة
و كمان زول متدين و ابوه امام جامع
ما اتوقعت ابدا انو يعمل حركة استهبال زي دي
تعاجله سهام بنظرة نارية و هي تصرخ في وجهه
امام جامع في عينك انت و الله زول مغفل
اها هو ابوه امام جامع
.... ده يعني علاقته شنو بي
انو هو ممكن يكون حرامي؟
ياخ انت زول غريب خالص
تقول ما عايش في الدنيا دي
يجيبها كمال و هو يحاول ان يهدي من ثورتها
....يا زولة خلاص الحصل حصل
و انا يوم الجمعة حامشي
ليهم اشوف الموضوع ده
اراقبهم انا كلهم في تذمراتهم
و خناقاتهم الخاصة و العامة
و اتساءل ما الذي يحدث داخلي
كيف و متي انتابني ذلك الهدوء اللامبالي
اسرح فتمر بذهني ايام حافلة
بالنشاط السياسي و الهمة
في الجامعة...في الحي...في الشغل
ندوات...منشورات....مظاهرات
اتذكرها و هي تقول لي دائما
انتي تضيعين وقتك فيما لا يفيد
البلد دي محتاجة اصلاح اجتماعي
ثورة ثقافية و هزة كده
في القيم و المعتقدات السائدة
ما محتاج سياسة
و فلسفة وكلام جرائد
يشتد غضبي منها و اقول كيف يمكن
ان تكون حبيبتي هي من يفكر بهذه الطريقة
احاول انا اغيظها و المسها في الوتر الحساس
اوكي اقعدي انتي في الاصلاح الاجتماعي ده
و لما يدوكي الاذن انك تعيشي معاي في بيت واحد
انا ابطل سياسة و كلام فارغ انشاء الله
ترمقني بغضب و تقول لي
صراع المثليين من اجل حقوقهم
ده عملية معقدة و طويلة الامد
و محتاجة اصلاح اجتماعي و ديني كمان
و ما حتحصل بين يوم وليلة
بعدين يدونا اذن و لا ما يدونا
ما اهو نحن عايشين مع بعض
اقول لها اخ منك و من المنطق الغريب بتاعك ده
عايشين مع بعض كيف يعني
... ياخ انا نفسي امشي في الشارع و امسك ايديك
من غير ما زول يدينا نظرة وقحة
و لا اقول لماما اني ما حاقدر امشي معاكي السوق
لانو حبيبتي عندها مواعيد مع الدكتور
نفسي و نفسي و نفسي.....نفسي في حاجات كتيرة ياخ
نفسي احبك من غير ضغط او مضايقة
تبتسم ابتسامتها المدللة
و هيا تعاكسني بنظرات عينيها
طيب ما تحبيني ياخ ..الماسك ايدك منو
اضحك انا و اقول لها اه منك يا شقية
يرن جرس الموبايل
.... يأتيني صوت محمود و انفاسه متسارعة
في مظاهرات شديدة في الشارع
انتو وين...انا من قبيل بافتش عليكم
نحن هنا في كافتيريا الرحاب...الحاصل شنو بالضبط؟
مافي وقت للشرح و الكلام
اطلعو بسرعة من الجامعة قبل ما يقفلوا الابواب
اغلق موبايلي و هي تسألني بقلق....في شنو بالضبط؟
محمود قال في مظاهرات شديدة
برة في الشارع يلا نطلع نحنا
يبدو ان القرار كان متأخرا جدا
.... رأيتهم رجال الامن بخوذاتهم الحديدية
و هم يقتحمون الجامعة و يضربون الناس
بالعصي و الهراوات
بضع علب من الغاز المسيل للدموع
تتدحرج هنا و هناك
الرؤية صارت قاتمة
... احاول ان اضمها الي واغطي انفها بمنديلي
حتي لا تعاودها نوبة الازمة
نحاول ان نشق طريقنا
... تقول باعياء شديد و صوتها
يغادر حنجرتها بصعوبة
انا ما قادرة اتنفس....اقول لها
و انا ارقب المخارج بنظرة فاحصة
لاختار اقربها و اكثرها امنا للخروج
حبيبتي شدي حيلك شوية كده
..... نطلع بس من الحتة دي
و كل حاجة حتبقي تمام
امسك بيدها و احاول
ان اساعدها علي المشي
اسمعه دوي الرصاص في اذني
و يتعالي معه الصراخ....صراخ الطلاب و المارة
الصراخ يفقدني القدرة علي التركيز
و التفكير بشكل سليم
اسمعه اقرب الي اذني هذه المرة
....كأنما رصاصة اخترقت اذني
يا الهي ....لا لم تخترق اذني
لقد اخترقت صدر حبيبتي
ينتزعني من افكاري صوت سهام
....و الله انتي زولة غريبة خالص
كل الحاصل في البلد ده و انتي و لا هاميكي شي
و لا كأنك عايشة معانا في الكوكب ده
ابتسم ابتسامة باهتة نعم ان لا اعيش معكم
في هذا الكوكب و لم يعد يهمني شئ
يوم اخترقت تلك الرصاصة صدر حبيبتي
و خرجت منه و هي تحمل معها روحها
خرجت انا روحي من جسدي
و لم يبقي لي سوي انفاس و شبح جسد!!!!!

4 comments:

kasber said...

قاتمه لون الكلمات...
اقشعر بدني من الصوره
وكلما اردت التعليق ما استطعت
لازالت عند الشجره زهره
وكوب شاي بماء رائق يتصاعد منه الدخان
وموسيقي الغابه
مازال هناك أمسيات
ونهر
مازال هنك طريق مبلط يتخلله العشب
وشواء ضاحك
ومساء آخر
ينتظركِ

جسور سرية said...

العزيزة كاسبر
احيانا تأتي كلماتنا قاتمة لانها تعبر عن حدث بقتامة الحبر و جسامة الموت!!!

انا موعودة بكل المساءات الجميلة و انني لا محالة سآتيها محملة بالاعواد و قصص و حكايات و مزاج رائق....

كوني بخير يا صديقة

كتابة said...

اتيت لهذالبوست منذ فترة طويلة..
و شعرت بالثقل
كنت أيضا أتمناه أن يكون مجرد خيال
و ليس واقعا
فهل هو كذلك؟؟


إن لم يكن
فالثقل سيرزح وقتا..
و الحزن ستبقى لسعته

جسور سرية said...

العزيزة كتابة
اهلا بك هنا......مرورك اسعدني جدا

ربما لا تكون هذه القصة بذات تفاصيلها و شخوصها حقيقية و لكن محتواها حقيقي و مر بي مليون مرة
اثناء حياتي الجامعية
ربما ابطال هذه القصص ليسوا اصدقاء قريبين او معارف لي الا ان قلبي مايزال الي الآن يرزح تحت وطأة حزني علي ارواحهم!!!
فليرحم الله شهداء الكلمة اينما كانوا !!!